لطالما حلم صناع القرار في الشركة البريطانية بإنتاج نسخة فخمة وأكثر اتساعًا من موديل "Land Rover Defender"، الذي كان يُعرف في السابق بـ "Land Rover 110". وُلدت هذه الفكرة في النصف الثاني من القرن العشرين، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تكنولوجيا الدفع الرباعي قد أثبتت جدارتها بشكل ملحوظ.
وحينما أدرك البشر أن استخدام السيارات في التردد على الأماكن الوعرة لا ينحصر في العمليات الحربية فحسب، بل يمتد ليشمل أنشطة كالزراعة والمغامرات الشيقة، تلك الاستخدامات التي اعتادت الإصدارات المدنية من "ديفندر" القيام بها، ولكن ماذا عن الأنشطة الرياضية والمناسبات التي تعد جزءًا لا يتجزأ من الثقافة النبيلة البريطانية، مثل الصيد في الأماكن البعيدة أو الرحلات إلى جانب البحيرات، والتي تستلزم سيارة بمواصفات الدفع الرباعي ومستوى عالي من الفخامة يناسب الشخصيات الرفيعة المستوى؟ الجواب يكمن في "رينج روفر".
لم تكن مستويات الأبهة التي تعرفها "رينج روفر" في وقتنا الراهن موجودة منذ البداية. إذ كان الغرض من النسخة الأولية هو تقديم درجة عالية من البساطة مقارنة بالحالة التي كانت عليها مقصورة "لاند روفر ديفندر" ولكن مع الاحتفاظ بإمكانية غسل المقصورة من الأتربة والأوحال باستخدام خراطيم الماء عالية الضغط، وهي خاصية لا تتحملها الجلود الفخمة الأصلية أو الخشب الملمع الذي يُعَد من أساسيات الرقي والفخامة. كل ما كان يحويه جيل "رينج روفر" الأول هو المقاعد المغطاة بالجلد الصناعي ولوحة القيادة البلاستيكية، مع بعض مزايا الراحة كنظام التوجيه المحسَّن والأرضيات المغطاة بالسجاد البلاستيكي وتكييف للهواء. وعلى الرغم من أن تلك المكونات تعتبر بسيطة بالمعايير الحالية، إلا أنها في ذلك الوقت كانت تُشكل إضافات مقدرة، وبالأخص عندما نقارنها بما كان متاحًا في مقصورة "ديفندر".
بالنسبة للتوجه نحو الخضوع للطبيعة، ونظرًا للهدف الأساسي من "رينج روفر" الذي يسعى إلى الجمع بين متطلبات الرفاهية وأبرزها الراحة وكذلك القدرات الفائقة لعبور التضاريس الصعبة مع تفضيل الجانب الأخير على الأول، دون أن يتم التنازل عما توفره التقنية المتقدمة للدفع الرباعي لإرضاء نخبة المستخدمين، استطاعت الشركة المحافظة على البُنية الهيكلية المبنية على إطار يعتمد على تصميم هيكل السلم الصندوقي المجزأ، كما هو الحال مع "لاند روفر". ومع ذلك، بذل مهندسو الشركة جهودًا جبارة بهدف تحسين مستوى الراحة داخل المقصورة من خلال الاعتماد على نظام تعليق يستخدم النوابض الحلزونية بدلًا من النوابض الشريطية.
ظلت السيارة "رانج روڤر" في جيلها الأول دون تغيير يذكر إلى أن قدمت الشركة المُصنعة نسخة خماسية الأبواب في العام 1981. هذه النسخة جاءت بتصميم خارجي أكثر رقيًا وتحسينات شملت الجزء الأمامي من السيارة، الحواجز الأمامية والخلفية، ومقابض فتح الأبواب التي كانت مُصممة بشكل أملس ومُغطاة بالكروم.
مع إقتراب وقت انتهاء إنتاج هذا الطراز، قدمت الشركة برنامج "السيرة الذاتية"، الذي يتيح للعملاء تحديد مواصفات سياراتهم وفقاً لأذواقهم الخاصة، مما أعطى فرصة لعملاء الدخل العالي لإظهار ذوقهم الرفيع. ومن ثم، ليس بالضرورة الإشارة إلى الكم الهائل من الجلود الثمينة المتنوعة الألوان التي أدرجت في تصميم الكابينة، أو الأخشاب الراقية التي تمّت إضافتها والتي كان لها دور كبير في تعزيز مستويات الفخامة وإظهارها.
بعد ربع قرن من التألق في تجاوز المسالك الصعبة والسهلة على حد سواء، كشف عن الإصدار الجديد من "رينج روفر" في عام 1995. هذا الطراز الثاني جاء بتصميم خارجي يتسم بالأناقة والفخامة أكثر من أيّ زمن مضى، وأتى بأحجام متعددة تعزز هيبتها على الطرقات وتنأى بها عن مجرد كونها مركبة عملية أو مخصصة للمغامرات النائية وحدها. بل تم إدخال لمسات فاخرة لتعلي السيارة إلى مصاف الرقي، وذلك بالإضافة إلى تفاصيلها التصميمية المتقنة ومقصورتها الداخلية ذات التجهيزات الفاخرة والتكامل الأنيق. وبهذه المواصفات، أرست "رينج روفر" مع طرازها الثاني مكانتها كسيارة دفع رباعي متعددة الاستخدامات والأكثر ترفًا في الأسواق حتى ذلك الوقت.
على الرغم من التصاعد الكبير في شعبية سيارات الدفع الرباعي متعددة الاستخدامات منذ التسعينات وحتى منتصف العقد السابق، حيث أصبحت هذه السيارات تمثل الفئة الأكثر جذباً للأموال لشركات صناعة السيارات والخيار المفضل لدى الزبائن، وعلى الرغم من انضمام شركات عريقة مثل بي إم دبليو وبورشه ومازيراتي وجاكوار لهذا الميدان للمرة الأولى، إلا أن رينج روفر تمكنت من الحفاظ على مركزها المرموق. غير أن ظهور طراز بنتايغا من بنتلي في الأسواق، ولاحقًا طراز كولينان من رولز-رويس، قد أضاف منافسين جدداً وقويين في هذا القطاع.
هنا، لم يعد بإمكاننا تسمية Range Rover بأنها الأكثر رفعة وترفًا نظرًا لوجود ماركتين رئيسيتين في ساحة الرقي، أو لنقل بدقة أكبر، إنهما الماركتان اللتان تضعان المعايير لمستويات الرقي في عالم السيارات بشكل عام. ومع ذلك، استمرت Range Rover في الحفاظ على جانب آخر قد يكون أهم من الرفاهية نفسها، جانب لا يمكن للجلود أن تقدمه ولا للأخشاب أو أي مواد ثمينة أخرى تقديمه، بل هو جانب تعجز حتى العلامات التجارية الأكثر رفعة عن تقديمه بشكل ذاتي.
هذا العنصر يتمثل ببساطة في الهيئة الأسطورية التي تحظى بها سيارة Range Rover، ذلك الوضع الذي نالته أولاً نتيجة لتاريخها العريق في هذه الصناعة، وثانياً بسبب استمرارها في الحفاظ على خصائصها الفريدة التي تميزها عبر الأجيال دون أي تعديل. تمامًا كما توجد السيارات الرياضية ومن ضمنها Porsche 911، هناك كذلك فئات من المركبات الفخمة ذات الدفع الرباعي مثل Range Rover.
لكن مجرد التميز لا يكفي لشركة JLR، فالشهرة والرفعة لن تدومان دون المزيد من التعظيم والإكبار. هذا ما تجسد في الإصدار الخامس لـ "رينج روفر" حيث استلهم المصمم المتميز "ماسيمو فراسكيلا" تحت رعاية "جيري مكجوفرن"، أساسيات التصميم البسيط مع خطوط ناعمة دقيقة تكاد تكون خفية، وذلك لخلق تصميم جذاب يشع بأناقة عفوية وهيبة مميزة على الطرقات. بإيجاز، تصميم يبدو كما لو أنه مستلهم من عوالم الخيال أكثر من كونه نتاج الحاجات الديناميكية للواقع.

